الأحد، 15 أبريل 2018

تقنية وأشرار (3) - أمراض وأدوية


-المقدمة التالية مكررة في هذه السلسلة  لتأكيد أهمية دافع التطور التقني-
"التقنية هي عامل مهم للدفع والتطويرالحضاري والثقافي ويوجد الكثير من الأدلة الشاهدة على ذلك، ولكن هذا لا يمنع أيضا أن تكون في يد الأشرار لمحاولة استغلالها شر استغلال، فهي في النهاية أدوات مثلها مثل الكثير من الأدوات التي تستعمل للخير والشر. السطور التالية تحاول إلقاء الضوء على جانب مظلم من التقنية للتعريف والتوعية. "
----------------------------------
في القرن الرابع عشر انتشر وباء الطاعون الأسود وخلال عدة سنوات قضى على ملايين البشر وتذكر بعض الإحصائيات أن ما يقارب من ربع سكان الأرض المعروفة في ذلك الزمن قضوا نحبهم في هذا الطاعون المميت الذي حير الناس وأخافهم وأربكهم في تلك الفترة. 
قفز التطور العلمي والطبي قفزات كبيرة جعل من الصعب جدا أن يتكرر ما حدث في ذلك التاريخ ولكن مع هذا التطور ظهرت أوبئة وأمراض جديدة مقاومة للأدوية أو مصنعة مخبريا وأصبح التنقل أسرع بمئات الأضعاف.  من الممكن أن ينتقل شخص من وسط القارة الأوروبية إلى وسط أمريكا بالطائرة خلال ساعات بدل أشهر من السفر. هذا التنقل السريع جعل الأمراض والجراثيم تنتقل بسهولة وسرعة أيضا وما فيروسات انفلونزا الطيور والخنازير ببعيدة. 

بعد المقدمة أعلاه تخيل ،عزيزي القارئ ، أنه يوجد أمامك شاشة كبيرة عليها خريطة العالم وموصلة بجهاز كمبيوتر ضخم يحلل جميع ما يبحث عنه ملاييين (أو مليارات) البشر المتصلين بالانترنت بشكل مباشر حول العالم. وتخيل أن من ضمن فئات النتائج التي تظهر أمامك ،على تلك الشاشة، فئة خاصة بالبحث عن أعراض مرض معين أو بحث عن دواء معين مع الإشارة عن موقع البحث الجغرافي. 
ماذا تستنتج إذا لاحظت ارتفاع في حركة البحث عن أعراض السعال أو أدوية السعال لمئات أو ألاف الاستفسارات البحثية في مدينة معينة؟ وماذا تستنتج إذا بدأت حركة البحث بالانتشار من تلك المدينة الى مدينة أو مدن أخرى مرتبطة بمطارات أو وسائل مواصلات سريعة مع بعضها البعض وبدأت كثافة البحث تغطي تلك المدن بدوائر حمراء أو صفراء؟  ماذا إن كانت الأعراض أخطر من السعال وبدأ زحف ذلك المرض يغطي جزءا من مدينتك التي أنت بها؟ ربما تخبر أهلك بالتجهز للسفر وتختار وجهة بعيدة عن  هذا الزحف أو تتخذ بعض الاجراءات المختلفة لحماية نفسك ومن تحب. 

دعني أخبرك أن ما ذكر أعلاه هو ليس بالخيال أبدا بل هو حقيقة ومطبق عملياً عند عدد من محركات البحث الضخمة. 
منذ بضع سنوات أجرى أحد محركات البحث الشهيرة تجربة مثيرة للاهتمام وهي مقارنة نتائج بحث معينة عن أعراض أمراض وبحث عن أدوية وقارنها بما تجمعه منظمة الصحة العالمية من تقارير عن انتشار هذه الأمراض في نفس الفترة الزمنية وكان التطابق في النتائج قريبا جدا ومثيرا للدهشة . 
الفرق الرئيسي حاليا هو أن هذه المراقبة من محركات البحث يمكن أن تجري في ثواني أو في وقت حقيقي مباشر بينما منظمة الصحة العالمية تحتاج لأيام أو أسابيع لجمع هذه المعلومات من المستشفيات والأطباء وتحليلها. 

هذه المعلومات يمكن الاستفادة منها بشكل كبير وعلى مستويات عديدة منها حكومية ومنها تجارية والنقطة الخطيرة هنا هي عند حصول استغلال تجاري. ماذا لو تم احتكار هذه المعلومات من قبل بعض شركات الأدوية وأصبحت تعرف من المصاب بأي مرض وكم عدد المصابين وفي أي منطقة وما الأدوية التي يجري البحث عنها وتحكمت بالسعر قبل الأخرين؟ 

ليس فقط كلمات البحث التي يكتبها الناس بل من المؤشرات الإضافية المهمة ما يتابعه الشخص المريض من مجموعات وصفحات وتعليقات تهتم  او تدل على أمراض معينة ويمكن لشركات الأدوية متابعة تلك الصفحات والانضمام لتلك المجموعات وتحليل البيانات التي بها واستهداف الأعضاء والمعلقين. 

من جانب أخر وللتنبيه على أهمية المعلومات الطبية فإنه عند حصول اختراقات لمشافي او مراكز تحوي بيانات صحية فإن هذه البيانات تباع في أسواق الشبكة المظلمة الخفية بأعلى الأسعار لأسباب كثيرة منها معلومات التأمين الخاص بك مثلا والتي يمكن استخدامها للتحايل على شركات التأمين ودفع وصفات طبية معينة بل ويمكن استخدام معلوماتك للحصول على بعض الأدوية المخدرة إن كانت مسموحة لك لعلاج مرض معين وغير مسموحة للمخترق أو من دفع ثمن هذه البيانات.
الجدير بالذكر هنا أنه ،وفي محاولة لحماية الأمن الصحي والبيانات الشخصية، بعض الدول المتقدمة تمنع تخزين أي بيانات طبية شخصية خارج حدود البلد. تخزين هذه البيانات ونقلها حتى داخل البلد يتطلب إجراءات واحتياطات مشددة في أغلب الأوقات. 
ماذا لو عرفت الشركة التي تعمل بها ،أو تريد العمل بها، او شركة التأمين معلومات وراثية أو طبية تراكمية عنك وعرفت أنك قد تتعرض لأمراض مكلفة؟ أو أنه يوجد لديك احتمالات أعلى لأمراض معينة عند الوصول لسن معين؟ 
في بعض نتائج الدراسات الأمنية فإن أكثر الاختراقات تكلفة هي اختراقات البيانات الصحية وخسائرها تصل لمليارات الدولارات سنويا. 

صولجان هرمس
رمز التجارة والتجار والمقامرين واللصوص
 من المعلومات الطريفة أنه يوجد مراكز صحية ومستشفيات أو صيدليات تستخدم رمز عصا أو صولجان هرمس وهي عصا يلتف حولها ثعبانين وفوقهما جناحان  وهذا بالتالي يرمز لعطارد (ميركوري) حامي التجار والمقامرين واللصوص بينما الرمز الحقيقي للشفاء هو عصا أسكليبيوس وهي عصا يلتف حولها ثعبان واحد وهي الرمز الاغريقي الحقيقي للطب والشفاء. 
عصا أسكليبيوس
رمز الطب والشفاء

في هذا العالم الكثير من الدول والمناطق المتخلفة وحتى المتقدمة التي يطغى فيها التفكير المادي على المبادئ الإنسانية ويكون الربح للشركات أهم من أرواح الناس ومشاعرها. الوعي بالأمور التي ذكرت أعلاه قد يعطي بعض الدوافع والأفكار ، سواء للشخص العادي أو من هو في موقع متحكم بالمعلومات ونشرها، لجعل العالم مكان أفضل للأجيال القادمة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق